قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن سنورا خرج في ليلة باردة، يبحث عن طعام، فبينما هو كذلك إذ رأى وكرا في أسفل شجرة، وكان في الوكر فأر، فهم السنور أن يدخل الوكر، فقام الفأر وسد باب الوكر.
فقال السنور: لِمَ تغلقُ بابك دوني؟ أنا شيخ غريب قد ذهبت قوتي، وأصابني ما ترى من الجوع والبرد، وقد التجأت إليك في هذه الليلة الباردة!
فضحك الفأر وقال: ما رأيت أعجب من هذا؛ أنت عدوي بالطبع والعادة، وبيننا من العداوة ما تضرب به الأمثال، وتريدني أن آويك؟!
فأجاب السنور بصوت ضعيف: إن الذي قلته حق، أيها الفأر الكريم! ولكني أسألك الصفح عما مضى، وأعطيك عهد الله وميثاقه أن لا ترى مني شرا أبد الدهر!
فقال الفأر: كيف أقبل عهدك، وعادتك الغدر والخيانة؟
فقال السنور: لقد ضاق صدري واشتد كربي، وسوف أموت على بابك، ويكون إثمي عليك، وهذا اخر كلامي إليك!
فحصل للفأر خوف من الله تعالى، ونزلت في قلبه الرحمة، ففتح باب الوكر وأدخل السنور معه، فأقام عنده حتى استراح وتعافى!
وفي يوم من الأيام أغلق السنور باب الوكر وقبض على الفأر وأخذ يعذبه، وجعل الفأر يصرخ ويستغيث!
فمر بهما كلب فظن أن في الوكر ثعلبا يفترس شيئا فاقتحم الوكر وقتل السنور، فخرج الفأر سالما معافى.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح!
ألف ليلة وليلة (الليلة 890-891) (بتصرف).
قَالَتْ شَهْرَزَاد: بَلَغَنِي أَيُّهَا الْمَلِكُ السَّعِيدُ أَنَّ سِنَّوْرًا خَرَجَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، يَبْحَثُ عَنْ طَعَامٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ رَأَى وَكْرًا فِي أَسْفَلِ شَجَرَةٍ، وَكَانَ فِي الْوَكْرِ فَأْرٌ، فَهَمّ السِّنَّوْرُ أَنْ يَدْخُلَ الْوَكْرَ، فَقَامَ الْفَأْرُ وَسَدَّ بَابَ الْوَكْرِ.
فَقَالَ السِّنَّوْرُ: لِمَ تُغْلِقُ بَابَكَ دُونِي؟ أَنَا شَيْخٌ غَرِيبٌ قَدْ ذَهَبَتْ قُوَّتِي، وَأَصَابَنِي مَا تَرَى مِنَ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ، وَقَدِ الْتَجَأْتُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ!
فَضَحِكَ الْفَأْرُ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا؛ أَنْتَ عَدُوِّي بِالطَّبْعِ وَالْعَادَةِ، وَبَيْنَنَا مِنَ الْعَدَاوَةِ مَا تُضْرَبُ بِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُرِيدُنِي أَنْ آوِيَكَ؟!
فَأَجَابَ السِّنَّوْرُ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ: إِنَّ الَّذِي قُلْتَهُ حَقٌّ، أَيُّهَا الْفَأْرُ الْكَرِيمُ! وَلَكِنِّي أَسَأَلُكَ الصَّفْحَ عَمّا مَضَى، وَأُعْطِيكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ أَنْ لَا تَرَى مِنِّي شَرًّا أَبَدَ الدَّهْرِ!
فَقَالَ الْفَأْرُ: كَيْفَ أَقْبَلُ عَهْدَكَ، وَعَادَتُكَ الْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ؟
فَقَالَ السِّنَّوْرُ: لَقَدْ ضَاقَ صَدْرِي وَاشْتَدَّ كَرْبِي، وَسَوْفَ أَمُوتُ عَلَى بَابِكَ، وَيَكُونُ إِثْمِي عَلَيْكَ، وَهَذَا آخِرُ كَلَامِي إِلَيْكَ!
فَحَصَلَ لِلْفَأْرِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَنَزَلَتْ فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةُ، فَفَتَحَ بَابَ الْوَكْرِ وَأَدْخَل َالسِّنَّوْرَ مَعَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى اسْتَرَاحَ وَتَعَافَى!
وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأيَّامِ أَغْلَقَ السِّنَّوْرُ بَابَ الْوَكْرِ وَقَبَضَ عَلَى الْفَأْرِ وَأَخَذَ يُعَذِّبُهُ، وَجَعَلَ الْفَأْرُ يَصْرُخُ وَيَسْتَغِيثُ!
فَمَرَّ بِهِمَا كَلْبٌ فَظَنَّ أَنَّ فِي الْوَكْرِ ثَعْلَبًا يَفْتَرِسُ شَيْئًا فَاقْتَحَمَ الْوَكْرَ وَقَتَلَ السِّنَّوْرَ، فَخَرَجَ الْفَأْرُ سَالِمًا مُعَافًى.
وَأَدْرَكَ شَهْرَزَاد الصَّبَاحُ فَسَكَتَتْ عَنِ الْكَلَاَمِ الْمُبَاحِ!
المصدر:
كتاب ألف ليلة وليلة (الليلة 890-891) (بتصرف).