لا تظنوا أن الظَّفَر بصداقة الأطفال أمر سهل؛ لأن بيننا وبين الأطفال فوارقَ كثيرةً جدا، وهذه الفوارق تُباعد ما بيننا وبينهم، وتجعل عَقْد المودة معهم أمرا عسير المنال.
وأسعد الآباء هو من يستطيع الوصول إلى قلوب أبنائه في ترفُّق وتلطُّف ليكونوا قُرّة عينه، وليكون قرة أعينهم، وليصبح البيت مَوْئِلا للانشراح والابتهاج.
وأول ما يجب أن يتنبّه إليه الآباء هو اليقين بأن الأطفال يعيشون في عالم المحسوس ويجهلون عالم المعقول.
وعالم المحسوس هو الأصل، ولو شئتُ لقلت إن عالم المعقول ليس إلا تصويرا لعالم المحسوس.
ومن واجب الأب أن يدرك أن الأطفال يرون الدنيا بعيونهم لا بعقولهم، ومن واجبه أن يفهم أن مُدْرَكات الحواسّ هي كل شيء عند الأطفال.
وفي الدنيا أشياءُ هي عندنا أوهام وهي عند الأطفال حقائق، ولن نظْفَر بصداقتهم إلا إذا رأينا الدنيا بعيونهم!
فإن بدا لك أن تصادق الطفل فابحث عن مواقع هواه، واعرف أن فمه أكثر يقظة من عقله! وأن صندوق الحلوى أفضل عنده من الكتاب الجيد، وأن الثوب المرقّش أحب إليه من القول المزخْرَف.
والأب الذكي اللبيب هو الذي لا يَلقَى طفله إلا وفي يده هديّةٌ أو تحفة أو طُرْفة، فإن فاته ذلك فليقدِّم إليه قطعة أو قطعيتين من النقود، وليذكر دائما أن هذا هو ما يدرك الأطفال من عالم الوجود.
والطفل كثير الاعتداد بالنفس وهو لا يصادق من يَعُدّون عليه الذنوب. ونحن خليقون بالتغاضي عن هَفَوات أطفالنا، لأنها في الأغلب هفوات طبيعية.
والطفل يحب أن تكون له أخلاق الرجال وشمائل الرجال، ولن نَظْفَر بمودته إلا إذا منحناه الثقة بمواهبه.
والطفل يحب أن نثق بأنه أجمل الناس وأذكى الناس. فما الذي يمنع من أن نقول له صدقت أيها الذكي الجميل.
أما البنت فإنها جوهر نفيس، وهي مصوغة من الروح والوجدان، وهي مصدر الرفق والعطف والحنان،
وهي الزهرة الكريمة التي تنبت في الصحراء، وهي الرَّوح والريحان! والأطفال عموما من أطيب ما في الوجود وأطهر ما في الدنيا!
أما بعد؛ فإن الظَّفَر بصداقة الأطفال أمر سهل على من يفهم أسرار الغرائز والـمُيول، ولكنه صعب جدا على من ينتظر من الأطفال أن يفكروا بعقول الرجال.
فارجعوا إلى طفولتكم حين ترون أطفالكم لتذوقوا معانيَ السعادة من جديد، ولتنسوا في صحبتهم متاعب الحياة!
المصدر:
زكي مبارك: وحي بغداد (مؤسسة هنداوي).
ص 265-270 (بتصرف).
Genel Arapça | İleri