تشهد تركيا اهتماما متزايدا بتعليم العربية في مدارسها وجامعاتها على مدار العقدين الماضي والحالي، فالعربية مادة إجبارية في مدارس الأئمة والخطباء بمرحلتيها المتوسطة والثانوية، وكذلك في أغلب كليات الإلهيات "العلوم الإسلامية". كما أن أعداد كليات العلوم الإسلامية يزيد عاما بعد عام، وهو ما يعني زيادة أعداد الطلبة الملتحقين بالسنوات التحضيرية العربية على مستوى تركيا؛ حيث يدرس الطلاب اللغة العربية لمدة عام دراسي كامل تتراوح ساعاته بين 600 و900 ساعة. ومن ثم فعلى من يرغب في تطوير تعليم العربية في تلك الكليات أن يعرف رأي المستفيد الأول من هذه السنة التحضيرية وهم الطلبة.
نشرت مؤخرا (في يوليو/ تموز 2019) لكاتب هذا المقال بمشاركة الباحثة التركية د.سلطان شمشيك "رئيسة قسم اللغة العربية وبلاغتها" دراسة علمية تهدف إلى التعرف على اتجاهات طلبة كليات الإلهيات والعلوم الإسلامية تجاه برنامج اللغة العربية في السنة التحضيرية. وتأتي أهمية هذه الدراسة في أنها من الدراسات الأولية التي تتكامل مع دراسات قليلة سبقتها في الموضوع نفسه.
وقد جاء سؤالَا الدراسة كما يلي:
1) ما اتجاهات طلبة كليات الإلهيات (العلوم الإسلامية) في الجامعات التركية نحو برنامج اللغة العربية في السنة التحضيرية؟
2) هل هناك فروق في اتجاهات عينة البحث تعزى إلى متغيرات الجنس، والتخرج في ثانوية الأئمة والخطباء، ونسبة الدراسة بالعربية في مرحلة الليسانس؟
اتبع البحث المنهج الوصفي وجاءت عينة البحث غير احتمالية، وشملت 1374 طالبا وطالبة ينتمون إلى 60 كلية.
وقد أظهرت نتائج الدراسة ما يلي:
الأغلبية العظمى من العينة التحقوا بكليات الإلهيات وفق إرادتهم (93%).
المحور الأول: فيما يخص الإطار العام للبرنامج
جاء اتجاه العينة نحو معرفتهم بأهداف السنة التحضيرية إيجابيا حيث أفادت الأغلبية أن الأهداف واضحة لهم، بينما جاء اتجاه الطلبة "متوسطا" نحو "وضوح المستوى اللغوي المطلوب من الطلاب تحقيقه" و "عدد ساعات البرنامج" و"عدد الطلاب في الصف".
وهذا يتفق مع دراسة سابقة لكاتب هذا المقال تناولت السنة التحضيرية ووجدت أن نسبة من الكليات ليس لديها إطار مرجعي معتمد للمستويات كما هو الحال في الإطار المرجعي الأوربي أو غيره، ومن ثم فمن الطبيعي ألا يعرف الطلبة المستوى المطلوب منهم، وفي ظل معرفة الطلبة للأهداف فهم يرون أن عدد الساعات ليس كافيا لتحقيقها، وكذا بيئة الصف التي قد تبدو مزدحمة قليلا، إلا أن الاتجاهات جميعا لا تبتعد كثيرا عن الاتجاه الإيجابي فهي في أعلى درجة "المتوسط" حسب ميزان التقدير.
المحور الثاني: المعلمون وطريقة التدريس
جاء اتجاه العينة نحو أسلوب إدارة المعلمين للدروس واستخدامهم للعربية إيجابيا، بينما جاءت الاتجاهات متوسطة فيما يخص الوسائل التعليمية واستخدامها في الصفوف، وهذا يتفق مع دراسة سابقة ذكرت أن هناك وسائل تعليمية في أغلب الكليات لكن هناك قصورا في استخدامها.
كما جاء اتجاه الطلاب متوسطا فيما يخص "الفرصة في ممارسة العربية داخل الصفوف"، وهذا أمر منطقي في ظل وجود 30 طالبا في الصف في نسبة كبيرة من الكليات، فلو قسمنا وقت الدراسة على عدد الطلاب فسنجد أن فرص الطالب للحديث تقلّ عن ساعة واحدة أسبوعيا، إلا إذا استخدم المعلم إستراتيجيات التعلم التي تتيح للطلاب التفاعل معًا مما يزيد مساحة استخدام اللغة كالتعليم التعاوني، والإستراتيجيات التي تدمج بين التقنية والتعليم التقليدي بما يجعل الطالب ينجز المهام الميكانيكية وحده ويبقي الصف للتفاعل مثل التعليم المدمج والصف المقلوب.
المحور الثالث: المواد التعليمية والتقويم
جاء اتجاه العينة إيجابيا نحو المواد التعليمية، بينما جاء متوسطا فيما يخص الاختبارات التصنيفية والتحصيلية والنهائية، وجاء الاتجاه سلبيا فيما يخص مشاركة الطلاب في عملية تقييم وتطوير برنامج السنة التحضيرية، وهذا يتفق مع الدراسة الاستطلاعية التي أجراها الحدقي وشيمشَك حيث وجدا قصورًا في نظام التقويم المتبع في كليات الإلهيات.
المحور الرابع : قضايا متنوعة
تناول هذا المحور مسائل متفرقة تجيب عن عدد من الأسئلة المهمة في تصميم برامج اللغة، حيث ظهر أن اتجاه الطلبة إيجابيا نحو استخدام العربية فقط في الصفوف التحضيرية، كما أن الطلبة لديهم اتجاه إيجابي لتلقي دروس إضافية ليتقنوا العربية، لكنهم رفضوا بحزم زيادة البرنامج التحضيري ليكون عامين حيث جاء اتجاههم سلبيا. وليس معنى هذا أن الطلبة يرفضون تعلم العربية، ولكن زيادة سنة أخرى في البرنامج لها ثأثيرات كبيرة لا تتعلق باللغة العربية فحسب بل تتعلق بالظروف الأسرية ورغبة الطلبة في الخروج إلى ميدان العمل والحصول على دخل للاستقلال المالي عن أسرهم.
وقد جاء اتجاه الطلبة إيجابيا جدا نحو السفر لدراسة العربية في بلد عربي وهي أعلى نسبة في الاستبانة كلها.
المحور الخامس: الأسئلة الخاصة بطلبة مرحلة الليسانس فقط
استطلع هذا المحور اتجاهات طلاب مرحلة الليسانس وجاءت اتجاهاتهم إيجابية حيث اعتبروا أن السنة التحضيرية أفادتهم في الدراسة أثناء سنوات الكلية الأربع، وجاء اتجاههم إيجابيا نحو فكرة استمرار دروس العربية طوال سنوات الدراسة وليس في السنة التحضيرية فقط، كما توقعوا أن يستفيدوا من العربية بعد تخرجهم.
أما فيما يتعلق بإجابة السؤال الثاني من أسئلة الدراسة فكانت أهم النتائج بالنسبة للفروق حسب النوع (الذكور/ الإناث) أن هناك فروقا ذات دلالة لصالح الطالبات تجاه المحور الأول والثاني والثالث، أما الفروق بحسب التخرج في ثانوية الأئمة والخطباء فهناك فروق ذات دلالة إحصائية لصالح الطلاب المتخرجين في ثانويات الأئمة والخطباء تجاه المحور الأول والثاني والثالث.
وفيما يتعلق بنسبة الدراسة بالعربية في مرحلة الليسانس توجد فروق ذات دلالة إحصائية لصالح الطلبة الذين يَدْرُسُونَ مرحلة الليسانس بالعربية تجاه جميع المحاور أكثر من غيرهم ممن يدرسون مواد بالعربية في مرحلة الليسانس بنسبة أقل.
وحول اتجاه الطلاب العام (طلاب السنة التحضيرية والليسانس) نحو السنة التحضيرية فقد اعتبرت 75 % من الطلبة أن السنة التحضيرية مفيدة لدارسي العلوم الإسلامية.
وقد أوصى البحث بعدد من التوصيات لتطوير السنة التحضيرية، كما اقترح عددا من الأفكار البحثية التي يمكن أن تزيد من فهم واقعها والعمل على تحقيق أقصى فائدة منها.