شذرات لغوية

الدكتور المختار أحمد

باحث ومدقق لغوي

شبكة الجزيرة الإعلامية

 

27 /3/ 2017

إعراب "مثل"

كلمة مثل اسم يتردد في الكلام كثيرا، ويلتبس على بعض الناس إعرابه وضبط آخره، وإزالةً لذلك اللبس نوضح إعراب هذا الاسم في النقاط التالية:

* إذا جاءت "مثل" عنصرا أساسيا في تركيب الجملة أو معناها أعربت بحسب موقعها، فقد تكون فاعلا مثل قوله تعالى "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ"، أو مفعولا به مثل "قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ"، أو نعتا مثل "مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا".

* إذا جاءت "مثل" بعد تمام الجملة (ويكون ذلك غالبا في الحالات التي تستخدم فيها لبيان المثال) جاز فيها:

- الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره "وذلك" فنقول مثلا: الناس اليوم تستعبدهم الأجهزة الإلكترونية مثلُ الجوال والحاسوب.

- والنصب على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف أو حال، فنقول مثلا: الناس اليوم تستعبدهم الأجهزة الإلكترونية مثلَ الجوال والحاسوب.

وينطبق هذا الإعراب على كلمة "نحو".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

27 /2/ 2017

أيهما صواب: "دَعُونَا نَرَ" أمْ "دَعُونَا نَرَى"؟

كذا سأل أحد الزملاء، وهو سؤال مشروع إذ لا أداة جزم هنا ولا عامل واضحا في التركيب.

ويتعلق هذا الإشكال بمسألة نحوية ليست جلية لدى غير المختصين، وهي جزم الفعل المضارع في جواب الطلب.

وقبل الخوض في تفاصيل هذه المسألة نقرر أن الصواب هو "دعونا نرَ" بحذف الألف؛ وذلك لأن الفعل المضارع جاء هنا جوابا للطلب أي لفعل الأمر "دعونا" وتقتضي القواعد أن يجزم في هذه الحالة وأن يحذف آخره كما هو معروف في الفعل المعتل الآخر عند جزمه.

 الجزم بالطلب

وجزم المضارع في جواب الطلب حكم مقرر في كتب النحو ومستعمل في النصوص الفصيحة بكثرة خاصة إذا كان الطلب بصيغة الأمر. 

ويشترط النحاة في جزم الفعل هنا أن يكون مترتبا على الطلب أي أن يكون وقوع الطلب سببا في وقوع الجواب.

 ومن أهم أساليب الطلب التي يُجزم فيها الجواب:

-         الأمر، سواء كان بصيغة فعل الأمر أو اسم الفعل الدال على الأمر مثل قوله تعالى "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، وقوله "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ"، ومثل قول الشاعر:

وقَوْلي كُلَّما جَشَأتْ وجَاشَتْ * مكانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتريحي

ومثل قول ذي الإصْبَعِ العَدوانيّ في وصية لابنه: "أَلِنْ جَانِبَك لِقَوْمِكَ يحِبُّوكَ، وتَوَاضَعْ لهم يَرْفَعُوكَ، وابسُطْ لهم وجهكَ يُطيعُوكَ".

أو كان بصيغة المضارع المسبوق بلام الأمر مثل قوله تعالى: "فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ". 

 

-         النهي،  ومنه قول ذي الإصْبَعِ في الوصية المذكورة: "ولاَ تَسْتَأْثِرْ عليهم بِشَيْءٍ يُسوِّدوك".
 

الاستفهام، ومنه -عند بعض النحاة- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...". 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

31 /1/ 2017

ما رأيكم في "المخيال" و"الدولتي"؟

 ترد اليوم على ألسنة الإعلاميين والمثقفين استعمالات كثيرة تخالف المألوف من اللغة والمقيس من الاستعمال، ويواجه أقوام هذه الاستعمالات بالتخطئة والرفض ويتلقفها آخرون بالترحاب والقبول وكأنه لا يمكن أن يكون "بين ذلك قوامًا"! 

وأرى أن ذلك القوام يكمن في الانطلاق من أن اللغة كائن يتطور وينمو، ولكن بمقدار ووفق ضوابط محددة.

ومن هذا المنطلق كان ردي على السؤال أعلاه:

 "المخيال" من الكلمات المستخدمة حديثا في مجالات الفكر والسياسة والثقافة، لكن يبدو أن هذه الكلمة لَمَّا تدخل المعاجم المعاصرة، ومن ثم لم يُبيَّن معناها بشكل دقيق.

فقد أطلقها بعض الباحثين (مثل صاحب كتاب "الزعيم السياسي في المخيال الإسلامي") على آلة التخيل وهذا هو المعنى المناسب لصيغتها الصرفية؛ لأن هذا الوزن من أوزان اسم الآلة. و"المخيال" بهذا المعنى اسم آلة صحيح قياسا ولا غبار عليه.

كما يطلق "المخيال" على ما يتخيله الناس وما يترسخ في أذهانهم عن جانب معين من جوانب الحياة مثل المخيال السياسي والمخيال الاجتماعي، وهو هنا اسم لما يُتخيَّل، وفي العربية مسميات سُميت بهذا الوزن مثل المقدار والمثقال.

وبناء على ذلك فلا أرى بأسا في قبول هذا الاسم من باب التطور اللغوي الذي يفسح له المجال في الألفاظ أكثر من غيرها، خاصة تلك التي تنطلق من أصل مستعمل في اللغة.

 أما "الدولتي" فهي نسبة غير صحيحة نحويا؛ إذ إن القاعدة في النسبة إلى المختوم بتاء التأنيث توجب حذف التاء عند النسبة. ولا داعي لتكسير القواعد من غير ضرورة.

فالنسبة الصحيحة إلى الدولة هي "دَوْلي"، لكن هذه النسبة شاعت حديثا في النسبة إلى الدُّوَل، وهو ما يوقع في لبس ربما يكون هو سبب لجوء بعض الكتاب إلى استخدام "دولتي".

وأرى أنه للخروج من هذا الإشكال يمكن استخدام التركيب الإضافي بدل الوصفي فنقول مثلا: "عنف الدولة العربية" بدل قول الكاتب "العنف الدولتي العربي".

والله أعلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

30 /12/ 2016

الضرورة الشعرية

"السلام عليكم ما حكم تنوين الممنوع من الصرف تحديدًا صيغة منتهى الجموع حيث وجدت كلمة "مواعيظ" -وهي ممنوعة من الصرف لأنها صيغة منتهى الجموع- وجدتها منونةً بالضم في قصيدة "بانت سعاد" أو "أمست سعاد" -قصيدة البردة- في هذا البيت على وجه التحديد:

 مهلًا هداك الذي أعطاك نافلة الـ***قرآن فيها مواعيظٌ وتفصيل

مع العلم أنني وجدت البيت بهذا الشكل في كتاب الوزارة وحتى في موقعكم.

أرجو بيان سبب التنوين بشكل مفصل مع شكري وتقديري لجهدكم الرائع".

هذا سؤال ورد إلينا الأسبوع الماضي من أحد متابعي الموقع عبر صفحة "سل الأستاذ"، وقد أجبت السائل هناك بجواب مختصر كما هو المعتاد في تلك الصفحة، لكنه ربما يسأل هو وكثير من الدارسين: ما هذه الضرورة وإلى أي حد يسمح لها بكسر القواعد؟

لقد استنبط النحاة قواعد العربية من النصوص الفصيحة في عصر الاستشهاد وأحاطوها بسور من القوانين يحميها من اختراق غوائل اللحن والتبديل في العصور اللاحقة.

لكنهم وجدوا في استعمال الشعراء في عهود الفصاحة نصوصا تخرق ذلك السور، وحين حللوا تلك الاستعمالات لاحظوا أنها جاءت في أغلب الحالات منعا للوزن الشعري من الاختلال، وأن الشاعر يلجأ إليها لإقامة الوزن والقافية بصورة سلسة لا تكلف فيها. 

وقد قبل النحاة هذه الضرورة التي تفسح للشعراء مجالا واسعا للتصرف في الألفاظ والتراكيب على نحو يخالف المطّرد من القواعد.

ومن أهم مظاهر الضرورة الشعرية:

-         صرف الاسم الممنوع من الصرف:

حيث ينوّن الشاعر عند الضرورة الاسم الممنوع من الصرف كما في قول كعب بن زهير:

مَهْلاً هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْـ***قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ

فقد نون "مواعيظ" وهو اسم ممنوع ممن الصرف؛ لأنه جاء على صيغة منتهى الجموع.

وقول الفرزدق:

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله***بجده أنبياء الله قد ختموا

حيث نون "فاطمة" وهو اسم ممنوع ممن الصرف؛ لأنه علم مختوم بتاء التأنيث.

-          منع الاسم المنصرف من الصرف

وذلك بحذف تنوينه، كما في قول الشاعر:

طلب الأزارقَ بالكتائب إذ هوَتْ***بِشَبيبَ غائلةُ النفوس غدور

حيث منع "شبيب" من الصرف، وهو اسم علم غير ممنوع من الصرف.

-         مدّ الاسم المقصور

وذلك بزياد همزة في آخره كما في قول الشاعر:

سيغنيني الذي أغناك عني***فلا فقرٌ يدوم ولا غِناءُ

حيث استعمل "غناء" بالمد والمقصود هنا الغنَى الذي هو ضد الفقر.

-         قصر الممدود

وذلك بحذف همزته كقول الشاعر:

لابدَّ من صَنْعَا وإن طال السَّفَرْ***وإنْ تَحَنَّى كلُّ عودٍ ودَبِرْ

والمقصود هنا مدينة صنعاء وهي اسم ممدود.

(يتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

30 /11/ 2016

اكتساب المضاف التأنيث والتذكير من المضاف إليه

 يتألف التركيب الإضافي كما هو معلوم من عنصرين: مضاف ومضاف إليه، ويؤثر كل من هذين العنصرين في الآخر فيتجرد المضاف من التنوين وأداة التعريف ويلزم المضاف إليه الجر فور إنشاء التركيب الإضافي.

ولكن هناك تأثيرا آخر للمضاف إليه في المضاف غير متداول هو تأثيره فيه من حيث الجنس تأنيثا وتذكيرا.

فقد أقر النحاة بناءً على استعمالات عربية فصيحة جواز تأنيث المذكر المضاف إلى مؤنث إذا لم يؤد ذلك إلى لبس وأمكن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه دون فساد المعنى.

قال ابن مالك:

وَرُبَّما أكْسَبَ ثانٍ أولاً * تأْنِيثا إنْ كانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ

ومن أمثلة ذلك قول العجاج:

طولُ اللَّياليِ أَسْرَعَتْ في نَقْضي

أَخَذْنَ بَعْضيِ وتَرَكْنَ بَعْضيِ

حيث أنث "طول" فوضع التاء في الفعل المسند إليه "أسرعت"، وذلك لأنه مضاف إلى اسم مؤنث هو "الليالي".

كما أجاز النحاة تذكير المؤنث المضاف إلى مذكر وجعلوا منه قوله تعالى "إن رحمة الله قريب من المحسنين"، حيث عوملت "رحمة" معاملة المذكر فأخبر عنها بمذكر وهو "قريب".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

حَتَّى.. الدلالة والوظيفة

حتّى  حرف من حروف المعاني، يستخدم للدلالة على الغاية، أي أن ما بعدها يكون غاية لما قبلها.

أما من الناحية النحوية فلها أربع وظائف تُبنى على كل منها الحالة الإعرابية لما بعدها، حيث تكون:

1 - حرف جر مثل قوله تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ". 2

 - حرف نصب ينصب الفعل المضارع مثل قوله تعالى: "فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا". 3 - حرف عطف مثل: جاء القومُ حتّى العُمَى.

4 - حرف ابتداء مثل قول الشاعر:

سَرَيتُ بهم حَتَّى تَكِلّ مَطِيُّهُمْ ... وحَتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بِأرْسانِ

وقد نظم بعضهم معاني حتى واستعمالاتها بقوله:

حتّى تكون حرف جر يا فتَى * وحرف نصب لمضارع أتَى

وحرف عطف ثم حرف الابتدا * أربعة فكن لها مقيدا

كمطلع الفجر وحتى يحكمَا * الناسُ جاؤوا كلهم حتّى العمى

 يا عجبًا حتّى كليبُ سبّني * حتّى الجيادُ ما لَها مِن أرسُنِ

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تركيب "ولا سيما"

أولا: وظيفة هذا التركيب اللغوية

السيّ في اللغة المثل فمعنى "ولا سيما" هو ولا مثلما، ووظيفة هذا التركيب اللغوية هي إبراز أوْلوية ما بعده بالحكم على ما قبله وكونه آكد منه وأخصّ عند المتكلم.

 ثانياطرائق استعماله

الاستعمال الأشهر والأفصح -عند جمهور النحاة- لهذا الأسلوب هو المجيء بتركيب "ولا سيما" بعناصرها الأربعة متبوعة بما يراد تخصيصه وتبيان أولويته نحو قول امرئ القيس:

أَلا رُبَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ * ولا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارةِ جُلْجُلِ

وقد ذهب بعضهم إلى تخطئة من استعمله على غير هذا الوجه، لكن تتبع استعمال هذا الأسلوب وتطوره يبيّن أنه ورد بصيغ أخرى أجازها بعض النحاة:

- حيث جاء بحذف الواو كقول الشاعر:

فِهْ بالعُقود وبالأَيمان لا سِيَما * عقْدٌ وفاءٌ به من أعظم القُرَب
وقد وردت "سي" هنا بتخفيف الياء، والأغلب فيها التشديد.

- ثم تطور فاستعمل بحذف "لا" وإن كان جمهور النحاة يمنع ذلك ويعتبره من كلام الأدباء المولدين حسب تعبير أبي حيان في القرن الثامن الهجري.

- كما أجاز بعضهم حذف "ما" فقال: لا سي زيد.

أمّا ما بعد "لا سيما" فالأغلب أن يكون اسما مفردا نحو: أحب مكارم الأخلاق ولا سيما الصدق.
وقد توصل "لا سيما" بظرف مثل يعجبني الاعتكاف ولاسيّما عند الكعبة، وقد توصل بجملة مثل يعجبني كلامك ولاسيّما تَعِظُ به. 
وأجاز بعض النحاة مجيء الواو بعد "لا سيما" في نحو: لا سيّما والأمر كذلك، ومنعه بعضهم واعتبره تركيبا غير عربي.

 ثالثا: أوجه إعرابه:

يذكر النحاة لمفردات هذا الأسلوب أوجهًا واحتمالات كثيرة من الإعراب أبرزها:

- الواو: حرف عطف وقد يكون هنا للاستئناف أو للحال.

- لا: حرف لنفي الجنس، يعمل عمل إن.

- سي: اسم "لا" منصوب إذا اعتبرناه مضافا إلى "ما" ومبني على الفتح في محل نصب إذا لم يكن كذلك، وخبر "لا" محذوف.

- ما: تحتمل أن تكون اسما مبنيا على السكون في محل جر بإضافة "سي" إليه، باعتبارها موصولة أو نكرة بمعنى شيء وتحتمل أن تكون حرفا زائدا لا محل له من الإعراب.

- يوم: يجوز فيه –وفي الاسم الوارد بعد "لا سيما" عموما- الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره "هو"، والنصب على أنه تمييز أو مفعول فعل محذوف تقديره "أعني"، كما يجوز فيه الجر على أنه بدل من "ما" أو بإضافة "سي" إليه باعتبار "ما" زائدة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مشروعات أو مشاريع

يرتبك بعض الكتاب في مفردات مثل مشروع وموضوع ومعجم، أيجمعها جمع سلامة: مشروعات، موضوعات، معجمات، أم يجمعها جمع تكسير: مشاريع، مواضيع، معاجم؟

والقياس عند النحاة في هذا النوع من الصفات المستعملة لوصف ما لا يعقل أن يُجمع جمعَ مؤنث سالمًا مثل قوله تعالى "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ".

وعلى هذا الأساس خطّأ بعض اللغويين جمع هذا النوع من الأسماء جمع تكسير.

ولكن منهج التيسير اللغوي يقتضي جواز جمع هذه الصفات جمع تكسير إلى جانب الجمع السالم، وهو ما ذهبت إليه المعاجم الحديثة فأجازت مشروعات ومشاريع، وموضوعات ومواضيع، ومعجمات ومعاجم.

وعليه فالجمعان سَلِيمان وللكاتب أن يختار أيًّا منهما شاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

"أبو فلان" بين الإعراب والحكاية

"أبو" اسم من الأسماء الخمسة (أو الستة) يرفع بالواو وينصب بالألف ويجر بالياء بشروط معينة، كما هو معلوم من النحو بالضرورة.

وقد سمع في لغات العرب مقصورا أي ملزما الألف "أبَا" في جميع الحالات كقول الشاعر:

إن أباها وأبا أباها     قد بلغا في المجد غايتاها

والاستعمال الأول هو الشائع المشهور في كلام العرب، ولم يفرقوا في ذلك بين أن يكون كنية أو اسما، ولا بين كونه كنية حقيقية لشخص مثل أبي بكر أو مجازية لجماد مثل أبي قبيس (وهو جبل بمكة).

بل إنهم اعتبروا استعمال هذا الاسم على غير هذا الوجه لحنا يستحق التأديب وجهلا يجلب التندّر والإبعاد.

رَوَت كتب الأدب أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وردت إليه رسالة من أحد ولاته جاء فيها "من أبو موسى" فكتب إليه عمر: "أن قنِّع كاتبك سوطًا" وزادت بعض الروايات: "واعزله عن عملك".

وقال رجل للحسن: "يا أبو سعيد"، فقال الحسن: أكسبُ الدوانيق شغلك عن أن تقول: يا أبا سعيد؟!

ورُوِي أن الحجاج بن يوسف بعث إلى والي البصرة أن اختر لي عشرة من عندك، فاختار رجالاً، منهم كثير بن أبي كثير. قال كثير: فقلتُ في نفسي: لا أفلت من الحجاج إلا باللحن، قال: فلمَّا أدخلنا عليه دعاني، فقال: ما اسمك؟ قلت: كثير، قال:  ابن مَن؟ فقلتُ: إن قلتها بالواو، لَم آمن أن يتجاوَزها، قال: أنا ابن أبا كثير، فقال: عليك لعنة الله، وعلى مَن بعث بك، جيئوا في قفاه، قال: فأُخْرِجْتُ!!

على هذا النحو كان الذوق اللغوي وعليه سارت القواعد النحوية، أما في اللغة الحديثة فهناك ميل لاستخدام هذا النوع من الأسماء حكايةً على نمط واحد بغض النظر عن موقعه الإعرابي، وربما يكون ذلك تأثرا باللهجات والاستعمال العامي الذي تخلى عن الإعراب عموما ودرج على تسكين أواخر الكلم.

وقد سوّغ هذا الاستعمال بعض النحاة المحدثين مثل الأستاذ عباس حسن الذي رأى أن الأسماء الستة إذا سُمّي بأحدها يجوز إعرابه بالحروف، ويجوز أن "يلتزم حالة واحدة لا يتغير فيها آخره، ويكون معها معربًا بعلامة مقدرة".

وربما يجد هذا الرأي سندًا فيما نص عليه النحاة من جواز ذلك في لفظ المثنى وجمع المذكر السالم إذا سمي بهما.

لكن ينغّص عليه أن القارئ أو السامع غير المختص لا يسهل عليه أن يميز بين ما سمي به من تلك الأسماء وما لم يسم به، ثم إنه سيجد حسّه اللغوي في اضطراب بين ما ألفه من استعمال لهذه الأسماء في التراث العربي طوال قرون وما يسمعه أو يقرؤه في وسائل الإعلام اليوم.

لذا فإني أرى أنه ينبغي استعمال هذا النوع من الأسماء معربا بالواو رفعا والألف نصبا والياء جرّا بحسب موقعه من الإعراب، فبذلك نحفظ للعربية سمتها الأصيل ونكفل للأجيال ذوقا لغويا سليما متصلا بتراثهم، ونجنّب الكتّاب والمذيعين تندُّر القرّاء والسامعين حين يتلقّون منهم استعمالا لم يألفوه ولا يدرون ما مسوّغه.