إذا كانت الدعوة لتجديد النحو لأبناء اللغة ضرورة فهي لغير الناطقين أشدّ وآكد، ومسألة أن النحو وضع بالأساس لغير الناطقين بالعربية أمر كان ينبغي ألا يتنازع فيه خصمان رغم أن النزاع واقع!
ودعوة تجديد النحو دعوة قديمة، فقد دعا الجاحظ إلى التخفيف والتيسير وتعلم ما يستقيم به اللسان قائلا في الرسائل الأدبية:
"وأما النحو فلا تشغل قلب الصبيّ منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن، ومن مقدار جهل العوام، في كتابٍ إن كتبه، وشيء إن وصفه، وما زاد على ذلك فهو مشغلة عمّا هو أولى به".
وقد كان لابن حزم الظاهري قصب السبق في الدعوة لتجديد النحو ثم اقتفى أثره ابن مضاء وتابعه ابن رشد على هذا المنحى.
يقول ابن حزم في رسالة مراتب العلوم، رافضا العلل النحوية والجوانب الفلسفية التي انحرفت بطريق النحو عن المسار الذي وضع له: "وأما التعمق في علم النحو ففضول لا منفعة بها، بل هي مشغلة عن الأوكد، ومقطعة دون الأوجب والأهم، وإنما هي أكاذيب. فما هو الشغل بما هذه صفته؟ وأما الغرض من هذا العلم فهو المخاطبة وما بالمرء حاجة إليه في قراءة الكتب المجموعة في العلوم فقط".
ثم اقتفى أثر هذه الدعوة ابن مضاء في كتابه الرّد على النحاة وأكّد هذا المعنى بقوله: "قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه".
وقد دعا ابن مضاء إلى حذف ما لا يفيد من العلل وما لا طائل تحته في نفع المتحدث قائلا: "ومما يجب أن يسقط من النحو الاختلاف فيما لا يفيد نطقا، كاختلافهم في علة رفع الفاعل ونصب المفعول وسائر ما اختلفوا فيه من العلل الثواني وغيرها، مما لا يفيد نطقا، كاختلافهم في رفع المبتدأ ونصب المفعول، فنصبه بعضهم بالفعل وبعضهم بالفاعل وبعضهم بالفعل والفاعل معا. وعلى الجملة كل اختلاف فيما لا يفيد نطقا".
وأكّد تلك الدعوة ابن رشد قائلا: "الغرض من هذا القول أن نذكر من علم النحو ما هو كالضروري لمن أراد أن يتكلم على عادة العرب في كلامهم ويتحرى في ذلك ما هو أقرب إلى الأمر الصناعي وأسهل تعليما وأشد تحصيلا للمعاني".
وفلسفة ابن خلدون ذائعة الصيت في ذلك، حيث يقول يقول في "المقدمة" إن تربية الملكة اللسانية لا تحتاج إلى النحو الذي هو علم صناعة الإعراب ومعرفة النحو إنما هو علم بكيفية لا نفس الكيفية التي تضبط اللسان من الوقوع في اللحن:
"صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة، فهو علم بكيفيَّة لا نفس كيفيَّة، فليست نفس الملكة، وإنما هي بمثابة مَن يَعرف صناعة من الصنائع علمًا، ولا يُحكِمها عملاً".
أما التربويون فكتبهم طافحة بهذا المعنى داعية إليه.
يقول العلامة رشدي طعيمة: "إن هدف تدريس النحو ليس تحفيظ الطالب مجموعة من القواعد المجردة أو التراكيب المنفردة وإنما مساعدته على فهم التعبير الجيد وتذوقه وتدربه على أن ينتجه صحيحا بعد ذلك، وما فائدة النحو إذا لم يساعد الطالب على قراءة نص فيفهمه، أو التعبير عن شيء فيجيد التعبير عنه ؟!".
ويقول الدكتور محمود الناقة: "قبل أن نقوم بتقديم أي جزء من القواعد لابد أن نسأل أنفسنا: هل ما نقدمه مفيد ونافع للدارسين؟ هل هو ضروري لتحقيق أهدافهم من تعلم اللغة؟ هل هذا هو الوقت المناسب لتقديمه؟ لماذا ندرس النحو بهذا المحتوى وبتلك الطريقة؟".
ويقول حسن شحاتة: "إنَّ من الواجب أن ندرس قواعد النَّحو في ظلّ اللُّغة، ولكن على ألاّ يكون ذلك في حصص خاصَّة بها؛ أي: أنَّه من المستحسن أن نستمدَّ من دروس القراءة والتَّعبير حافزًا يدفع التلاميذ إلى دراسة القواعد، بأن ننتهِز فرصة خطأ نحويّ شائع بينهم في القراءة أو التَّعبير، فنعجِّل بشرح قاعدة ذلك، والتَّطبيق عليها في الحصَّة الخاصَّة بالنَّحو، ولا نتقيّد بترتيب أبواب المنهج المدرسي".