طَرْدُ الهَمّ

Genel Arapça | Üst-ileri
تطلّبْتُ غرضا يستوي الناس كلُّهم في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحدا، وهو طرد الهم.

فلما تدبّرته علمت أن الناس كلَّهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه فقط، ولكنْ رأيتُهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم لا يتحركون حركة أصلا إلا فيما يرجون به طرد الهم، ولا ينطقون بكلمة أصلا إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم. فمن مخطئٍ وجْهَ سبيله، ومن مقارب للخطأ، ومن مصيب، وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره.

فطرْدُ الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها -مذ خلق الله تعالى العالم- على أن لا يعْتمِدوا بسعيهم شيئا سواه، وكلُّ غرض غيره ففي الناس من لا يستحسنه؛ إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة، وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق، وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت، وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده، وفي الناس من يُبغِض اللذات بطبعه ويستنقص طالبَها، وفي الناس من يؤثر الجهل على العلم، كأكثر من نرى من العامة.

وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها. وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم، ولا يريد طرحه عن نفسه.

فلما استقرَّ في نفسي هذا العلم الرفيع، وانكشف لي هذا السر العجيب، وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم، بحثت عن سبيل موصّلة -على الحقيقة- إلى طرد الهم الذي هو المطلوب النفيس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان على السعي له، فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة؛ فإنما طَلبَ المالَ طُلّابُه ليطردوا به عن أنفسهم هَمَّ الفقر، وإنما طلب الصيتَ من طلبه ليَطْرُدَ به عن نفسه همَّ الاستعلاء عليها، وإنما طلب اللّذّاتِ من طلبها ليطرد بها عن نفسه همّ فَوْتِها، وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد به عن نفسه همّ الجهل، وإنما هَشّ إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه همّ التّوَحُّد ومَغِيب أحوال العالم عنه.

وفي كل ما ذكرنا لمن تدبّره همومٌ حادثة لا بد منها؛ من عوارضَ تَعرِض في خلالها، وتعذُّرِ ما يتعذّر منها، وذَهاب ما وُجِد منها والعجزِ عنه لبعض الآفات الكائنة، وأيضا سوءُ شُحٍّ بما حصل عليه من كل ذلك؛ من خوف منافس، أو طعن حاسد، أو اختلاس راغب، أو اقتناء عَدُوٍّ، مع الذمِّ والإثم وغيرِ ذلك.

ووجدتُ العمل للآخرة سالما من كل عيب، خالصا من كل كَدَر، مُوَصِّلا إلى طرد الهم على الحقيقة.
ووجدتُ العاملَ للآخرة إن امْتُحِن بمكروه في تلك السبيل لم يَهْتَمّ بل يُسَرّ، إذْ رجاؤه في عاقبة ما ينال عونٌ له على ما يطلب.
ووجدته إن قُصِد بالأذى سُرّ، وإن تعب فيما سلك فيه سُرّ. فهو في سرور متصل أبدا، وغيرُه بخلاف ذلك أبدا.
فاعلم أنه مطلوب واحد، وهو طرد الهم، وليس إليه إلا طريق واحد، وهو العمل لله تعالى، وما عداه ضلال وسخف.
 

المصدر:
رسالة مداواة النفوس (ضمن رسائل ابن حزم)       
تحقيق إحسان عباس
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
ج 1 ص 336-338 (بتصرف).

قواعدDilbilgisi

إعراب الجمل

الجمل نوعان: اسمية وفعلية (وبعض النحاة يضيف الظرفية).

فالاسمية هي التي تبدأ باسم، نحو: (فطَرْدُ الهم مذهبٌ اتفقت الأمم ُكلُّها عليه).

والفعلية هي التي تبدأ بفعل، مثل: (تطلّبْتُ غرضا يستوي الناس كلهم في استحسانه).

ولا عبرة بما يتقدم على الجملة من حروف وأدوات؛ فجملة (فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع...) فعلية. وشبه الجملة في (فمِنْ مخطئٍ وجهَ سبيله) اسمية.

ثم إن الجمل إذا وقعت موقع اسم مفرد وأدت معناه، أخذت محله من الإعراب، فتعرب خبرا أو مفعولا أو نعتا، أو غير ذلك.

ومن الأمثلة التي وردت في النص:

- الجملة الواقعة خبرا لأحد النواسخ مثل: (علمتُ أن الناس كلَّهم لم يستووا في استحسانه، فجملة (لم يستووا في استحسانه) في محل رفع خبر "أن".

- الجملة الواقعة مفعولا به، ومحلها النصب، مثل: (ورأيت الناس لا يتحركون إلا فيما يرجون به طرد الهم)، فجملة (لا يتحركون) في محل نصب مفعول ثان لـ"رأيت".

- الجملة الواقعة نعتا، مثل: (تطلّبْتُ غرضا يستوي الناس في استحسانه)، فجملة (يستوي الناس) في محل نصب نعت لغرض.

- الجملة الواقعة في موقع المضاف إليه مثل: (قد اتفقت الأمم كلها مُذْ خلق الله تعالى العالم على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئا سواه)، فجملة (خلق الله تعالى العالم) في محل جر بإضافة الظرف "مذ" إليها.